Monday, February 4, 2013

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا



وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا...


وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ


يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك { أوحينا إليك قرآناً عربياً} أي واضحاً جلياً بيِّناً { لتنذر أم القرى} وهي مكة، { ومن حولها} أي من سائر البلاد شرقا وغربا؛ وسميت مكة أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد لأدلة كثيرة منها قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (واللّه إنك لخير أرض اللّه، وأحب أرض اللّه إلى اللّه، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) ""أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح"". وقوله عزَّ وجلَّ: { وتنذر يوم الجمع} وهو يوم القيامة يجمع اللّه الأولين والآخرين في صعيد واحد، وقوله تعالى: { لا ريب فيه} أي لاشك في وقوعه وأنه كائن لا محالة، { فريق في الجنة وفريق في السعير} ، كقوله تعالى: { يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن} أي يغبن أهل الجنة أهل النار، وكقوله عزَّ وجلَّ: { يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} . روى الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي يديه كتابان، فقال: (أتدرون ما هذان الكتابان؟) قلنا: لا، إلا أن تخبرنا يا رسول اللّه، قال صلى اللّه عليه وسلم للذي في يمينه: (هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال صلى اللّه عليه وسلم للذي في يساره: (هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم)، ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فلأي شيء نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (سدّدوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل)، ثم قال صلى اللّه عليه وسلم بيده فقبضها، ثم قال: (فرغ ربكم عزَّ وجلَّ من العباد، ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة، ونبذ باليسرى وقال فريق في السعير) ""أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب"". وقوله تبارك وتعالى: { ولو شاء اللّه لجعلهم أمة واحدة} أي إما على الهداية أو على الضلالة، ولكنه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحق، وأضل من يشاء عنه، وله الحكمة والحجة البالغة، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: { ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير} وقال ابن جرير: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب خلقك الذين خلقتهم، جعلت منهم فريقاً في الجنة وفريقاً في النار، لو ما أدخلتهم كلهم الجنة؟ فقال: يا موسى ارفع درعك، فرفع، قال: قد رفعت، قال: ارفع، فرفع، فلم يترك شيئاً، قال يا رب قد رفعت، قال: ارفع، قال: قد رفعت، إلا ما لا خير فيه، قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه ""أخرجه ابن جرير من حديث عمرو بن أبي سويد"".

{ وكذلك } مثل ذلك الإيحاء { أوحينا إليك قرآناً عربيا لتنذر } تخوّف { أم القرى ومن حولها } أي أهل مكة وسائر الناس { وتنذر } الناس { يوم الجمع } يوم القيامة فيه الخلائق { لا ريب } شك { فيه فريق } منهم { في الجنة وفريقٌ في السعير } النار .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهَكَذَا { أَوْحَيْنَا إِلَيْك } يَا مُحَمَّد { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } بِلِسَانِ الْعَرَب ; لِأَنَّ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِمْ قَوْم عَرَب , فَأَوْحَيْنَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن بِأَلْسِنَتِهِمْ ; لِيَفْهَمُوا مَا فِيهِ مِنْ حُجَج اللَّه وَذِكْره ; لِأَنَّا لَا نُرْسِل رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه , لِيُبَيِّنَ لَهُمْ { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى } وَهِيَ مَكَّة { وَمَنْ حَوْلهَا } يَقُول : وَمَنْ حَوْل أُمّ الْقُرَى مِنْ سَائِر النَّاس. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23643 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { لِتُنْذِر أُمَّ الْقُرَى } قَالَ : مَكَّة . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهَكَذَا { أَوْحَيْنَا إِلَيْك } يَا مُحَمَّد { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } بِلِسَانِ الْعَرَب ; لِأَنَّ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِمْ قَوْم عَرَب , فَأَوْحَيْنَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن بِأَلْسِنَتِهِمْ ; لِيَفْهَمُوا مَا فِيهِ مِنْ حُجَج اللَّه وَذِكْره ; لِأَنَّا لَا نُرْسِل رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه , لِيُبَيِّنَ لَهُمْ { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى } وَهِيَ مَكَّة { وَمَنْ حَوْلهَا } يَقُول : وَمَنْ حَوْل أُمّ الْقُرَى مِنْ سَائِر النَّاس. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23643 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { لِتُنْذِر أُمَّ الْقُرَى } قَالَ : مَكَّة . ' وَقَوْله : { وَتُنْذِر يَوْم الْجَمْع } يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : وَتُنْذِر عِقَاب اللَّه فِي يَوْم الْجَمْع عِبَاده لِمَوْقِفِ الْحِسَاب وَالْعَرْض , وَقِيلَ : وَتُنْذِر يَوْم الْجَمْع , وَالْمَعْنَى : وَتُنْذِرهُمْ يَوْم الْجَمْع , كَمَا قِيلَ : يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ , وَالْمَعْنَى : يُخَوِّفكُمْ أَوْلِيَاءَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23644 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَتُنْذِر يَوْم الْجَمْع } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة. وَقَوْله : { لَا رَيْب فِيهِ } يَقُول : لَا شَكَّ فِيهِ .وَقَوْله : { وَتُنْذِر يَوْم الْجَمْع } يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : وَتُنْذِر عِقَاب اللَّه فِي يَوْم الْجَمْع عِبَاده لِمَوْقِفِ الْحِسَاب وَالْعَرْض , وَقِيلَ : وَتُنْذِر يَوْم الْجَمْع , وَالْمَعْنَى : وَتُنْذِرهُمْ يَوْم الْجَمْع , كَمَا قِيلَ : يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ , وَالْمَعْنَى : يُخَوِّفكُمْ أَوْلِيَاءَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23644 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَتُنْذِر يَوْم الْجَمْع } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة. وَقَوْله : { لَا رَيْب فِيهِ } يَقُول : لَا شَكَّ فِيهِ .' وَقَوْله : { فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير } يَقُول : مِنْهُمْ فَرِيق فِي الْجَنَّة , وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُوله { وَفَرِيق فِي السَّعِير } يَقُول : وَمِنْهُمْ فَرِيق فِي الْمُوقَدَة مِنْ نَار اللَّه الْمَسْعُورَة عَلَى أَهْلهَا , وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ , وَخَالَفُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُوله , وَقَدْ : * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي قَبِيل الْمَعَافِرِيّ , عَنْ شُفَيّ الْأَصْبَحِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَده كِتَابَانِ , فَقَالَ : " هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " فَقُلْنَا : لَا , إِلَّا أَنْ تُخْبِرنَا يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : " هَذَا كِتَاب مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ , فِيهِ أَسْمَاء أَهْل الْجَنَّة , وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَقَبَائِلهمْ " , ثُمَّ أُجْمِلَ , عَلَى آخِرهمْ , " فَلَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا , وَهَذَا كِتَاب أَهْل النَّار بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ " , ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرهمْ , " فَلَا يُزَاد وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا " , قَالَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَفِيمَ إِذَنْ نَعْمَل إِنْ كَانَ هَذَا أَمْر قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا , فَإِنَّ صَاحِب الْجَنَّة يُخْتَم لَهُ بِعَمَلِ الْجَنَّة وَإِنْ عَمِلَ أَيّ عَمَل , وَصَاحِب النَّار يُخْتَم لَهُ بِعَمَلِ النَّار وَإِنْ عَمِلَ أَيّ عَمَل , فَرَغَ رَبّكُمْ مِنْ الْعِبَاد " ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا : " فَرَغَ رَبّكُمْ مِنَ الْخَلْق , فَرِيق فِي الْجَنَّة , وَفَرِيق فِي السَّعِير " قَالُوا : سُبْحَان اللَّه , فَلِمَ نَعْمَل وَنَنْصَب ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْعَمَل إِلَى خَوَاتِمه ". 23645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث وَحَيْوَة بْن شُرَيْح , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي أُسَيْد , أَنَّ أَبَا فِرَاس حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمَّا خَلَقَ آدَم نَفَضَهُ نَفْض الْمِزْوَد , فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلّ ذُرِّيَّة , فَخَرَجَ أَمْثَال النَّغَف , فَقَبَضَهُمْ قَبْضَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : شَقِيّ وَسَعِيد , ثُمَّ أَلْقَاهُمَا , ثُمَّ قَبَضَهُمَا فَقَالَ : { فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير } . 23646 - قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي شَبُّويَة , حَدَّثَهُ عَنْ ابْن حُجَيْرَة أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ خَلْقك الَّذِينَ خَلَقْتهمْ , جَعَلْت مِنْهُمْ فَرِيقًا فِي الْجَنَّة , وَفَرِيقًا فِي السَّعِير , لَوْ مَا أَدْخَلْتهمْ كُلّهمُ الْجَنَّة قَالَ : يَا مُوسَى ارْفَعْ زَرْعك , فَرَفَعَ , قَالَ : قَدْ رَفَعْت , قَالَ : ارْفَعْ , فَرَفَعَ , فَلَمْ يَتْرُك شَيْئًا , قَالَ : يَا رَبّ قَدْ رَفَعْت , قَالَ : ارْفَعْ , قَالَ : قَدْ رَفَعْت إِلَّا مَا لَا خَيْر فِيهِ , قَالَ : كَذَلِكَ أُدْخِل خَلْقِي كُلّهمُ الْجَنَّة إِلَّا مَا لَا خَيْر فِيهِ , وَقِيلَ : { فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير } فَرَفَعَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام قَبْل ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { لِتُنْذِر أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } بِالنَّصْبِ ; لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاء , كَمَا يُقَال : رَأَيْت الْعَسْكَر مَقْتُول أَوْ مُنْهَزِم , بِمَعْنَى : مِنْهُمْ مَقْتُول , وَمِنْهُمْ مُنْهَزِم .وَقَوْله : { فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير } يَقُول : مِنْهُمْ فَرِيق فِي الْجَنَّة , وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُوله { وَفَرِيق فِي السَّعِير } يَقُول : وَمِنْهُمْ فَرِيق فِي الْمُوقَدَة مِنْ نَار اللَّه الْمَسْعُورَة عَلَى أَهْلهَا , وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ , وَخَالَفُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُوله , وَقَدْ : * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي قَبِيل الْمَعَافِرِيّ , عَنْ شُفَيّ الْأَصْبَحِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَده كِتَابَانِ , فَقَالَ : " هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " فَقُلْنَا : لَا , إِلَّا أَنْ تُخْبِرنَا يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : " هَذَا كِتَاب مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ , فِيهِ أَسْمَاء أَهْل الْجَنَّة , وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَقَبَائِلهمْ " , ثُمَّ أُجْمِلَ , عَلَى آخِرهمْ , " فَلَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا , وَهَذَا كِتَاب أَهْل النَّار بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ " , ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرهمْ , " فَلَا يُزَاد وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا " , قَالَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَفِيمَ إِذَنْ نَعْمَل إِنْ كَانَ هَذَا أَمْر قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا , فَإِنَّ صَاحِب الْجَنَّة يُخْتَم لَهُ بِعَمَلِ الْجَنَّة وَإِنْ عَمِلَ أَيّ عَمَل , وَصَاحِب النَّار يُخْتَم لَهُ بِعَمَلِ النَّار وَإِنْ عَمِلَ أَيّ عَمَل , فَرَغَ رَبّكُمْ مِنْ الْعِبَاد " ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا : " فَرَغَ رَبّكُمْ مِنَ الْخَلْق , فَرِيق فِي الْجَنَّة , وَفَرِيق فِي السَّعِير " قَالُوا : سُبْحَان اللَّه , فَلِمَ نَعْمَل وَنَنْصَب ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْعَمَل إِلَى خَوَاتِمه ". 23645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث وَحَيْوَة بْن شُرَيْح , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي أُسَيْد , أَنَّ أَبَا فِرَاس حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمَّا خَلَقَ آدَم نَفَضَهُ نَفْض الْمِزْوَد , فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلّ ذُرِّيَّة , فَخَرَجَ أَمْثَال النَّغَف , فَقَبَضَهُمْ قَبْضَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : شَقِيّ وَسَعِيد , ثُمَّ أَلْقَاهُمَا , ثُمَّ قَبَضَهُمَا فَقَالَ : { فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير } . 23646 - قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي شَبُّويَة , حَدَّثَهُ عَنْ ابْن حُجَيْرَة أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبّ خَلْقك الَّذِينَ خَلَقْتهمْ , جَعَلْت مِنْهُمْ فَرِيقًا فِي الْجَنَّة , وَفَرِيقًا فِي السَّعِير , لَوْ مَا أَدْخَلْتهمْ كُلّهمُ الْجَنَّة قَالَ : يَا مُوسَى ارْفَعْ زَرْعك , فَرَفَعَ , قَالَ : قَدْ رَفَعْت , قَالَ : ارْفَعْ , فَرَفَعَ , فَلَمْ يَتْرُك شَيْئًا , قَالَ : يَا رَبّ قَدْ رَفَعْت , قَالَ : ارْفَعْ , قَالَ : قَدْ رَفَعْت إِلَّا مَا لَا خَيْر فِيهِ , قَالَ : كَذَلِكَ أُدْخِل خَلْقِي كُلّهمُ الْجَنَّة إِلَّا مَا لَا خَيْر فِيهِ , وَقِيلَ : { فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير } فَرَفَعَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام قَبْل ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { لِتُنْذِر أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا } بِالنَّصْبِ ; لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاء , كَمَا يُقَال : رَأَيْت الْعَسْكَر مَقْتُول أَوْ مُنْهَزِم , بِمَعْنَى : مِنْهُمْ مَقْتُول , وَمِنْهُمْ مُنْهَزِم .'

قوله تعالى: { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا} أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب. قيل : أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك؛ كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. والمعنى واحد. { لتنذر أم القرى} يعني مكة. قيل لمكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحها. { ومن حولها} من سائر الخلق. { وتنذر يوم الجمع} أي بيوم الجمع، وهو يوم القيامة. { لا ريب فيه} لا شك فيه. { فريق في الجنة وفريق في السعير} ابتداء وخبر. وأجاز الكسائي النصب على تقدير : لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير.

قوله تعالى (كذلك) أي: كهذا الوحي الذي سبق { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [الشورى: 7] سُمي قرآناً لأنه مقروء، وسُمِّي الكتاب لأنه مكتوب مُسطر في كتاب، ووصِف بأنه عربي لأنه بحروف وبلسان عربي مبين، وعربي منسوب إلى العرب، وقلنا: إن اللغة ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وأنها بنت المحاكاة، فما سمعتْه الأذن يحكيه اللسان.
وليست اللغة جنساً ولا دماً، بدليل أن الولد العربي لو عاش في بيئة أجنبية يتكلم نفس لغتها، لأن اللغة تقليد ومحاكاة تعتمد على التلقِّي والتقليد، حتى في لغتك التي تتكلم بها يطرأ عليك اللفظ فلا ترعف معناه، لماذا؟ لأنك لم تسمعه من قبل.
لذلك نقول: إن التلقين في اللغة دليل على صدق الحق سبحانه فيما قال:
{  وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا }
[البقرة: 31] فالله تعالى هو أول معلم للبشر، وإلا فمضنْ علَّم آدم الأسماء والحروف والكلمات؟
بعض المستشرقين وقف عند هذه الآية، وقال: كيف يكون القرآن عربياً وفيه كلمات كثيرة من غير العربية، فيه من لغة الرومان ومن لغة الفرس والحبشة؟ ونقول: معنى { قُرْآناً عَرَبِيّاً } [الشورى: 7] أي: نزل بكلمات دارتْ على ألسنة العرب وتُدُووِلَتْ بينهم قبل نزول القرآن، فصارت من لغتهم، ثم كم هي هذه الكلمات بالنسبة لكلمات القرآن؟
إذن: فالقرآن عربي، والله تعالى يقول:
{  وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }
[إبراهيم: 4] يعني: يتلقون عنه ويفهمون منه، وإلا ما تم البلاغ عن الله.
فإنْ قلتَ: كيف ذلك ومحمد صلى الله عليه وسلم مُرْسَل للناس في كل مكان، وفي كل زمان؟ نقول: هذه مهمة أمة محمد من بعده، أنْ تتعلم هذه اللغات، وأن تحمل إليها من دين الله في أيِّ مكان، لأن محمداً خاتم الرسل وآخر الأنبياء، فلا بدَّ أن تحمل الأمة من بعده هذه المهمة، وأنْ تسيح بها في أنحاء العالم.
فالقرآن نزل بالعربية لأنه سبحانه اختار العرب لحمل هذه الرسالة، وسبق في موضع قريب أن تكلمنا عن اختيار العرب بالذات لهذه المهمة، والحكمة من كَوْن رسول الله أمياً في أمة أمية، وإذا كان القرآن معجزاً للعرب بلفظه وأسلوبه، فهو معجز لغير العرب بمعناه، ومعجز بآياته الكونية التي تظهر للناس وتبهرهم من حين لآخر.
تصوَّروا لو أن محمداً كان متعلماً في أمة متعلمة ذات حضارة، ماذا لو كانوا يقولون، مع كثرة الكفرة والمعاندين والملحدين، والله لو كان الأمر كذلك لقالوا: إن الإسلام قفزة حضارية كالتي حدثتْ في كثير من الأمم.
إذن: نقول: الأمية عيب في كل أمي إلا في رسول الله فهي شرف، لماذا؟ لأنها تعني أنه تلقى كل علومه وكل ثقافاته من أعلى، فهي شرف لارتقاء مصدرها إلى الحق سبحانه.والعجيب أن من أعداء الإسلام مَنْ يقول بأن محمداً كان متعلماً، وهو الذي كتب القرآن من عنده سبحان الله، أأنتم متعصبون لمحمد أكثر من أتباعه؟ والقرآن صريح في الرد عليهم:
{  وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ }
[العنكبوت: 48].
وبعد هذه الأمية جاء محمد صلى الله عليه وسلم بمنهج أخضع له حضارات العالم، ودانتْ له أعظم حضارتين في هذا الزمن، حضارة فارس في الشرق وحضارة الروم في الغرب، أخضعها له لا بالقوة إنما بأساليبه ومعانيه الراقية التي تنظم حركة الحياة والمجتمع مله، وتنظفه من كل القاذورات والسلبيات التي كانت منتشرة بين هؤلاء.
وقوله تعالى: { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } [الشورى: 7] الإنذار هو الإخبار بشرٍّ قبل أوانه والتخويف به قبل موعده، والحكمة أنني حين أخوفك من الأمر قبل حدوثه أعطيك فرصة لتتجنبه.
{ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } [الشورى: 7]هي مكة، فهي أم القرى، أو أصل القرى، لأن بها أول بيت وُضِع للناس، وآدم من الناس فالبيت إذن وُضِع قبل آدم لذلك فالقول الذي قال بأن الملائكة هي التي وضعتْ هذا البيت قول صحيح.
والمراد بمن حولها: ما حول مكة من قرى وقبائل وتجمُّعات عربية، ولأن مكة هي أم القرى وأصلها، أخذت قريش مكان الصدارة بين قبائل العرب في شبه الجزيرة العربية، وكانت قريش لها شرف خدمة البيت، فهم سدنته القائمون على أمره تأتيهم كل القبائل في موسم الحج، فتوفر لهم الأمن والحماية في كل أنحاء الجزيرة في رحلتَي الشتاء والصيف.
إذن: فالبيت هو الذي منح قريشاً هذه المهابة وهذه المنزلة، يقول تعالى:
{  لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }
[قريش: 1-4] فسيادة قريش من سيادة البيت ومن جوارهم له وقيامهم على خدمة حجاجه، ولو انهدم البيت لزالتْ مهابة قريش، وفقدت هذه المكانة.
وقوله تعالى: { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [الشورى: 7] أي: تخوفهم من هذا اليوم وهو يوم القيامة والجمع في هذا اليوم يكون من عدة وجوه: أولاً: البعث حيث يجمع بين الجسم والروح، ويجمع الملائكة في الملأ الأعلى بالبشر، ويجمع الظالم والمظلوم، والتابع والمتبوع.
ونلحظ على هذا التعبير القرآني { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } [الشورى: 7] أنه سكت ولم يذكر مفعول الفعل (تنذر) وهو يتعدَّى إلى مفعولين كما في قوله تعالى:
{  فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }
[فصلت: 13] فذكر المخوف منه على العموم ولم يذكر مفعول أنذر لماذا؟ لأنه سيأتي لها شرح آخر، ففي قوله تعالى
{  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ.. }
[غافر: 18] أي: أنذر الكافرين وهذا مفعول أول، ويوم الجمع مفعول ثان.
وقوله: { لاَ رَيْبَ } [الشورى: 7] لا شك { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7] فما دام هناك تكليف فلا بدَّ أن توجد الطاعة، وأن توجد المعصية، الطائع يُثاب والعاصي يُعاقب، وهذه سنة حتى عند البشر في أمور حياتهم، بدليل أنهم جعلوا لها قانوناً للثواب والعقاب، كذلك في يوم الجمْع الذي لا ريب فيه سيكون الناس على قسمين: فريق في الجنة، وفريق في السعير.في اللغة أسلوب يُسمَّى (الاحتباك) أي: الأمر المحبوك، وهو أن يحذف من الشيء ما يدل عليه غيره على التقابل، ومن ذلك قوله تعالى:
{  قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ }
[آل عمران: 13] يعني: أمر عجيب
{  فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا }
يعني في حرب
{  فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }
[آل عمران: 13] وهي الفئة المؤمنة
{  وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ }
[آل عمران: 13] أي: تقاتل في سبيل الشيطان.
تأمل هذا النسق القرآني تجده حذف الوصف (مؤمنة) لأنه دلَّ عليها قوله
{  تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }
[آل عمران: 13] وفي الأخرى ذكر الوصف (كافرة) وحذف المقابل أي تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من إحديهما ما دلتْ عليه الأخرى بالتقابل، وهذت يُسمى الاحتباك.
وقوله تعالى: { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7] تفريق بعد الجمع في قوله: { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } [الشورى: 7] والتفريق بعد الجمع أسلوب آخر من أساليب القرآن، وهناك الجمع والتفريق والتقسيم.
ومن ذلك قوله سبحانه:
{  يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }
[هود: 105] هذا جمع
{  فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }
[هود: 105] هذا تفريق، ثم يقسم ويُفصِّل القول في كل فريق:
{  فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }
[هود: 106-108]
لكن لماذا هذا التفريق { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7] قالوا: لأن الحق سبحانه خلق الخَلْق وخيَّرهم حين عرض عليهم الأمانة، وهي أمانة التكليف في قوله تعالى:
{  إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }
[الأحزاب: 72].
يعني: تركنا لهم حرية الاختيار لحمل الأمانة فأشفقتْ كل المخلوقات من حملها، فاختارت أنْ تكون مُسيَّرة يتصرف فيها ربها كيف شاء إلا الإنسان والجن، فقد اختار حمل الأمانة.
{  إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً }
[الأحزاب: 72] أي: لنفسه { جَهُولاً } بالعواقب، لأنه قد تضمن نفسك ساعة التحمل، لكنك لا تضمن ساعة الأداء، فقد تحُول ظروفك بينك وبين أداء الأمانة، فلأن الإنسانَ اختار حملَ الأمانة واختار الاختيار كان لا بدَّ أنْ يسأل عن أمانته، وأنْ يحاسب عليها، أحفِظَ أم ضيَّع، وكان لا بدَّ له من دار جزاء وحساب، ففريق في الجنة وفريق في السعير.

www.alro7.net












No comments:

Post a Comment