Tuesday, February 18, 2014

حقائق عن الدين البهائي/ البهائية والإسلام

حقائق عن الدين البهائي

 

البهائية والإسلام

 

 يدّعي البعض أن البهائية ظهرت لتقويض كلمة الإسلام ومحوها من عالم الوجود، ولكن ليس في استطاعتهم الإتيان بكلمة واحدة من الآثار البهائيّة وكتبها العديدة ومعتقداتها الأساسيّة لإثبات هذه التّهمة التي ليس لها أساس من الصحّة، وليسأل أولئك الذين يقيمون مثل هذا الإتّهام البهائيين المنتشرين في أكثر من ثلاثمائة وخمسين إقليماً من أقاليم العالم، يتحدّثون بأكثر من مئتي لغة وينتمون إلى شعوب وقبائل عديدة، ويتفرعون من أصول دينية مختلفة، فليسأل هؤلاء واحداً واحداً من البهائيين عن مكانة الإسلام في نفس البهائي ليجدوا الجواب القاطع بأن كل فرد من أفراد الجامعة البهائية العالمية يكنّ للاسلام ونبيّه الكريم (ص) ولتعاليم الدّين الحنيف ما يكنّه من التقديس والمحبّة والاحترام لدينه البهائي، وليعرف أن البهائيين في كلّ مكان هم أحرص الناس على إفهام العالم حقيقة الدّين الإسلامي على عكس ما يفهمها المتعصّبون ضده، فاذا بالبهائيّين في خلال مائة وتسعة وعشرين عاماً من تاريخ دينهم بمثابة السّفراء الحقيقيين للدّين الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، وكفى دليلا أن كل بهائي من أصل هندوسي أو بوذي أو زرادشتي أو يهودي أو مسيحي أو حتى وثني عليه أن يعترف ويقرّ بأن سيدنا محمد (ص) رسول الله وصاحب دعوة حق، وأن القرآن الكريم منزل من عند الله، تقدّست آياته، وأن فضل الإسلام على العالم الإنساني فضل ينكره العالم اليوم دون حق، وأنّه لولا الحضارة العظمى التي جاء بها الإسلام لما وصل العالم اليوم إلى ما وصل اليه من تقدّم أذهل العقول.
ولم يحظ الإسلام بسفير له يرفع من شأنه ويعلي مقامه في ربوع أوروبا وأمريكا كما حظى بقيام حضرة عبد البهاء بإفهام مجتمع كان في ذلك الوقت ينظر إلى الإسلام نظرة شكّ وامتهان وبيّن وشرح أن الحضارة التي يسميها هؤلاء غربية أصولها وبذورها إسلامية، ولولا الإسلام لما كان ذلك المجتمع فيما هو فيه من تقدّم وازدهار.(10)

وكل من يقرأ الآثار البهائيّة يجدها ملأى بآيات التمجيد والاحترام والتقديس للقرآن الكريم وللرّسول عليه السلام.  ونورد هنا مقتطفات على سبيل المثال ليدرك القارىء ما يعتقده البهائي والرّوح التي يتحلّى بها تجاه الدّين الإسلاميّ الحنيف.    
في القرآن الكريم

من آثار حضرة بهاء الله :
- "لا شكّ أنّ القرآن نزل من عند الله ولا شكّ أن الكلمات الإلهيّة مقدّسة عن أوهام المتوهّمين."(11)  
- فاعلم بأنّ كلمة الله تبارك وتعالى في الحقيقة الأوّليّة والرتبة الأولى تكون جامعة للمعاني التي احتجب عن إدراكها أكثر الناس نشهد بأنّ كلماته تامّات (أي القرآن الكريم) وفي كلّ كلمة منها سترت معانٍ ما اطّلع بها أحد إلاّ نفسه، ومن عنده علم الكتاب، لا اله إلاّ هو المقتدر العزيز الوهّاب ثم اعلم بأن المفسّرين الذين فسّروا القرآن كانوا صنفين، صنف غفلوا عن الظّاهر وفسّروه على الباطن وصنف فسّروه على الظّاهر وغفلوا عن الباطن، فاعلم من أخذ الظّاهر وترك الباطن إنّه جاهل ومن أخذ الباطن وترك الظّاهر إنّه غافل ومن أخذ الباطن بايقاع الظّاهر فهو عالم كامل..."(12) 
" إنّ ربّ العالمين قد وعد الناس بلقائه في القرآن المبين."(13)
" كل من لم يصدّق الفرقان فهو في الحقيقة لم يصدّق الكتب التي نزلت قبل القرآن."(14)
من آثار حضرة عبد البهاء:  
- لو نظرنا بعين الإنصاف لرأينا أن جميع القوانين السياسيّة تكمن في معنى هذه الكلمات المباركة قوله تعالى:  "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين، وأيضاً "ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأُولئك هم المفلحون" وأيضاً "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ويعظكم لعلكم تتذكّرون، وعن حلو الأخلاق قوله تعالى "خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين" وأيضاً "الكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين"  وأيضاً "ليس البِرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البِرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيين، واتي المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرّقاب وأقام الصلوة وأتى الزكاة والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضّراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتّقون" وأيضاً  "ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة"  والملاحظ أن في هذه الآيات المباركة نجد أسمى درجات حقائق الحضارة وكافّة الشّيم الإنسانيّة اللّامعة الحميدة."(15)
- يا أيّها المتوجّه إلى الله طّهر الفؤاد عن كل شؤون مانعة عن السداد في حقيقة الرشاد وزن كل المسائل الإلهية بهذا الميزان العادل الصادق العظيم الذي بيّنه الله في القرآن الحكيم والنبأ العظيم، لتشرب من عين اليقين، وتتمتّع بحقّ اليقين، وتهتدي إلى الصراط المستقيم، وتسلك في المنهج القويم، والحمد لله رب العالمين." (16)
في الرّسول الكريم (ص)
من آثار حضرة بهاء الله :
- أسألك يا الهي بالمشعر والمقام والزّمزم والصفا وبالمسجد الأقصى وبيتك الذي جعلته مطاف الملأ الأعلى ومقبل الورى .. أي ربّ
صلّ على سيّد يثرب والبطحاء وعلى آله وأصحابه الذين ما منعهم شيء من الأشياء عن نصرة أمرك يا من في قبضتك زمام الأشياء لا إله إلاّ أنت العليم الحكيم."(17)
- "الصلوة والسّلام على مطلع الأسماء الحسنى والصّفات العليا الذي كان في كلّ حرف من اسمه كنزت الاسماء وبه زيّن الوجود من الغيب والشهود وسُمي بمحمد في ملكوت الأسماء، وبأحمد في جبروت البقاء وعلى آله وصحبه من هذا اليوم إلى يوم فيه ينطق لسان العظمة الملك لله الواحد القهّار."(18)
- "أسألك يا فالق الأصباح ومسخّر الأرياح بأنبيائك ورُسلك وأصفيائك وأوليائك الذين جعلتهم أعلام هدايتك بين خلقك ورايات نصرك في بلادك وبالنّور الذي أشرق من أفق الحجاز وتنوّرت به يثرب والبطحاء وما في ناسوت الإنشاء بأن تؤيد عبادك على ذكرك وثنائك والعمل بما أنزلته في كتابك."(19) 
- "أشهد يا إلهي بما شهد به أنبياؤك وأصفياؤك وبما أنزلته في كتبك وصحفك أسألك بأسرار كتابك وبالذي فتحت أبواب العلوم على خلقك ورفعت راية التّوحيد بين عبادك بأن ترزقني شفاعة سيّد الرسل وهادي السُبُل وتوفقني على ما تحبّ وترضى."(20)
- "لقد ظهر حضرة خاتم الأنبياء روح ما سواه له فداء من مشرق الأمر الإلهي ودعا الناس بمنتهى الفضل والعناية العظمى إلى كلمة التّوحيد المباركة وكل القصد من ذلك هو إيقاظ النّفوس الغافلة وخلاصهم من ظلمات الشرك ولكن القوم تألبوا عليه بالإعراض والاعتراض وأصابوه بما ناح له معشر الأنبياء في الجنّة العليا."(21)
- فمثلاً سلطنة حضرة الرّسول هي الآن ظاهرة واضحة بين النّاس ولكن في أول أمر حضرته كانت كما سمعت وعرفت بحيث ورد على ذلك الجوهر، جوهر الفطرة وساذج الهوية ما ورد من أهل الكفر والضلال، الذين هم علماء ذلك العصر واتباعهم.  فكم كانوا يلقون من الأقذار والأشواك في محل عبور حضرته:  ومن المعلوم أن اولئك الأشخاص كانوا يعتقدون بظنونهم الخبيثة الشيطانيّة أن أذيتهم لذلك الهيكل الأزلي تكون سبباً لفوزهم وفلاحهم لأن جميع علماء العصر مثل عبدالله ابن أبيّ، وأبو عامر الراهب، وكعب ابن أشرف، ونضر بن الحارث، جميعهم قاموا على تكذيب حضرته ونسبوا إليه الجنون والإفتراء ورموه بمفتريات نعوذ بالله من أن يجري به المداد، أو يتحرّك عليه القلم أو تحمله الألواح.  نعم إنّ هذه المفتريات التي نسبوها إلى حضرته كانت سبباً في إيذاء النّاس له.  ومن المعلوم والواضح أنه إذا كان علماء العصر يكفّرون شخصاً ويحكمون بردّته ويطردونه من بينهم ولا يعتبرونه من أهل الإيمان فكم يرد على هذه النفس من البلايا كما ورد على هذا العبد ممّا كان مشهوداً للجميع.  لهذا قال حضرة الرسول "ما أوذي نبيّ بمثل ما أوذيت"  فهذه المفتريات التي ألصقوها بحضرته، وذلك الإيذاء الذي حلّ به منهم، كل ذلك مذكور في الفرقان فارجعوا اليه لعلّكم بمواقع الأمر تطّلعون.  واشتدت عليه الأمور من كل الجهات بدرجة ما كان يعاشر أحداً، ولا يعاشرون أصحابه مدّة من الزمن وكل من كان يتشرّف بحضرته ويتّصل بهم كانوا يؤذونه غاية الأذى.  إنّا نذكر في هذا المقام آية من الكتاب لو نظرت اليها بعين البصيرة لنحت وندبت على مظلوميّة حضرته ما دمت حياً، وهذه الآية قد نزلت في وقت كان حضرته في شدّة الضيق والكدر من شدة البلايا وإعراض النّاس عنه.  فنزل عليه جبرئيل من سدرة منتهى القُرب، وتلا هذه الآية:  "وإن كان قد كَبُر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سُلّماً في السّماء، أي يقول له أنه إن كان قد كَبُر عليك إعراض المُعرضين واشتّد عليك إدبار المنافقين فاطلب نفقاً تحت الأرض أو سُلّماً في السّماء.
ويفهم من التلويح في هذا البيان أنّه لا مفرّ لك من ذلك ولا قدرة لك عليه إلاّ إذا كنت تختفي تحت الأرض أو ترقى إلى السّماء.
والآن أنظر وتأمّل كم من السلاطين يخضعون لإسم حضرته ويعظّمونه، وكم من البلاد وأهلها يستظلّون في ظلّه ويفتخرون بالإنتساب إليه، وكما أنّهم يذكرون على المنابر والمآذن هذا الإسم المبارك وبكمال التّعظيم والتكريم.  وكذا السلاطين الذين لم يدخلوا في ظلّ حضرته، ولم يخلعوا عن أنفسهم قميص الكُفر هم أيضاً مقرّون ومعترفون بالعظمة والجلال لهذه الشمس شمس العناية فهذه هي السلطنة الظّاهرة التي تشاهدها."(22)
 من آثار حضرة عبد البهاء :
"لاحظوا أن حضرة محمد وُلِدَ بين القبائل العربيّة المتوحّشة (لكونها جاهلة بالإسلام قبل دعوته) وعاش بينهم وكان حسب الظاهر أُميّاً لا خبرة له، وكانت القبائل العربيّة في منتهى الجهل والهمجيّة بحيث أن بعضها كان يدفن البنات أحياء ويحسب ذلك منتهى الفخر والحميّة وسموّ الفطرة.  وكانت تعيش تحت سيطرة حكومات إيران والرّومان في منتهى الذلّة والأسر مشتّتة في بادية العرب يقاتل بعضها بعضاً.  فلما طلع النّور المحمديّ زالت ظلمة الجهالة من بادية العرب ووصلت تلك القبائل المتوحّشة في أقل زمان إلى منتهى درجات المدنيّة حيث انتفعت بمدنيتهم أسبانيا وبغداد وأهالي أوروبا.  فالآن أيّ برهان أعظم من هذا؟  وإنّ هذا دليل واضح ما لم يغمض الإنسان عين الإنصاف ويقوم بكل تجاوز واعتساف."(23)
- "والصلوة والسّلام على أشرف نقطة في دائرة الوجود، وأعلى مصدر في قوس النزول والصعود، الكلمة الوحدانيّة، والآية الفردانية، والحقيقة الوجدانيّة، والواسطة الرحمانية، وعلى آله وصحبه ونصرائه وتابع تابعيه إلى يوم الدّين."(24)
- وعندما أشرقت الأرض بنور ربّها، وتنسّمت نسائم الفضل، وفاحت سحاب العدل، وانحدرت سيول الجود، وتجدّد قميص كلّ موجود وتزيّنت البطحاء بظهور خير الورى المُؤيّد بشديد القوى اعترض اليهود والنصارى..."(25)
- "لما ظهر بينهم الحبيب الأعظم والنّور الأفخم وآية القِدَم والصُبح الأبسم وأووا في كهف تربيته ما مضى أيام معدودة، وسنين محدودة إلاّ وترقّت هذه الطائفة الجاهلة من حضيض الجهل إلى أوج العلم والحكمة، وبرعت في الفنون والمعارف، وفرعت على أعلام العلوم والعوارف، واشتهرت بين الخلائق بخصائص الإنسانية وصفات الرحمانيّة حتى صارت معدن الكمال والعرفان ومحور دائرة المفاخر والإحسان.  وبذا انتصرت على الآفاق وتسلّطت على كلّ القبائل والشعوب من البرية، فصارت الناس يأتون من كل فجّ عميق إلى بلادهم حتى يتعلّموا العلم والحكمة ويتزيّنوا بحلل الفضل والكمال وكلّ ذلك ما كان إلاّ بفضل الله ورحمته بما بعث فيهم خير البريّة بقوّة عجزت عنها الخلائق أجمعون."(26) 
" .... وأمّا الرّسول الكريم محمد المصطفى عليه الصلوة والسلام  فقد بعثه الله في وادٍ غير ذي زرعٍ لا نبات به بين قبائل متنافرة وشعوب متحاربة وأقوام ساقطة في حضيض الجهل والعمى لا يعلمون من دحّاها ولا يعرفون حرفاً من الكتاب، ولا يدركون فصلاً من الخطاب، أقوام متشتّتة في بادية العرب، يعيشون في صحراء من الرمال بلبن النياق وقليل من النّخيل والأعناب، فما كانت بعثته عليه السلام إلاّ كنفخ الرّوح في الأجساد، أو كإيقاد سراج منير في حالك من الظلام فتنوّرت تلك البادية الشاسعة القاحلة الخاوية بتلك الأنوار السّاطعة على الأرجاء، فانتهض القوم من رقد الضلال وتنوّرت أبصارهم بنور الهدى في تلك الأيام.  فاتّسعت عقولهم وانتعشت نفوسهم وانشرحت صدورهم بآيات التوحيد فرتّلت عليهم بأبدع الألحان، وبهذا الفيض الجليل قد نجحوا ووصلوا إلى الأوج العظيم، حتى شاعت وذاعت فضائلهم في الآفاق، فأصبحوا نجوماً ساطعة الإشراق.  فانظروا إلى الآثار الكاشفة للأسرار حتى تنصفوا بأن ذلك الرجل الجليل كان مبدأ الفيض لذلك القوم الضئيل، وسرج الهدى لقبائل خاضت في ظلام الهوى، وأوصلهم إلى أوج العزّة والإقبال، ومكّنهم من حياة طيّبة في الآخرة والأولى.   أما كانت هذه القوّة الباهرة الخارقة للعادة برهاناً كافياً على تلك النبّوة الساطعة؟"(27)
وبالإضافة إلى هذه الشذرات المختارة من آثار حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء فإن حضرة وليّ أمر الله شوقي أفندي رباني الذي تولّى ولاية الدّين البهائيّ بعد صعود حضرة عبد البهاء ولمدة ست وثلاثين سنة قام بتنوير أهل الغرب والشرق عن مقام الرسول الكريم (ص) وحثّ البهائيين من أصل غير اسلامي بدراسة الإسلام من مصادر مُنصفة موثوق بها وأكدّ على أهميّة القرآن الكريم معطياً إيّاه الأهميّة ذاتها التي أعطاها للكتب البهائية المقدسة وفي مقام آخر يعود فيؤكّد كلّ ما سبق أن ذكرناه فيتفضل قائلاً بعد أن يشرح موقف الظهور البهائي من الأديان جميعها:  (28)
 "إن أصل (حضرة) الباب الذي هو سليل الإمام حسين، ثم الأدلّة العديدة المدهشة في رواية النبيل (الزرندي)(29) على الموقف الذي اتخذه مُبشّر ديننا تجاه كلّ من مؤسس الدعوة الإسلامية وكتاب (الله العزيز) والأئمة ثم الإجلال العظيم الذي أظهره (حضرة) بهاء الله في كتاب "الإيقان" لمحمد (ص) ولخلفائه الشرعيين وخاصة للإمام حسين الذي لم يكن لحضرته مثل أو شبه على وجه الأرض(30) ثم البراهين التي قدمها (حضرة) عبد البهاء بكل عزم وشجاعة وعلانية في الكنائس والمعابد للدلالة على حقيقة رسالة النبيّ العربي ثم أخيراً وليس آخراً تلك الشهادة التي خطّتها (الملكة ماري) ملكة رومانيا وأعلنت فيها اعترافها برسالة محمد النبويّة والقرآن الكريم وهي الملكة المترعرعة في الإيمان الإنجيلي، متجاهلة بذلك الحلف الوطيد المعقود بين حكومتها وبين الكنيسة الأرثوذكسيّة (وكانت الأرثوذكسية دين الدّولة التي اتّخذتها الملكة وطناً لها) وذلك نتيجة اطلاعها على الأحاديث العامة التي سبق وألقاها (حضرة) عبد البهاء.  إنّ كلّ ما سبق يُظهر بكل تأكيد الموقف الحقيقي الذي يتّخذه الدّين البهائي تجاه مصدره (الدّين الإسلامي) وقد كانت الشهادة الملكية كما يلي:  "إن الله هو الكلّ هو كل شيء.  فهو القوّة خلف كل بداية وصوته في داخلنا يجعلنا نُميّز بين الخير والشرّ.  ولكننا كثيراً ما نتجاهل ونُسيء فهم هذا الصوت ولهذا انتخب المُختارين لينزلوا بيننا على الأرض يوضّحوا كلمته ومعانيه الحقيقية.  وبناء عليه كان الأنبياء وبناء عليه كان المسيح ومحمد وبهاء الله، لأنّ الإنسان يحتاج بين كل آونة وأخرى صوتاً على الأرض يقوده إلى الله ويؤكد إدراكنا بوجود الله الحق.  وكان لتلك الأصوات التي بعثت الينا ان تصبح جسداً حتى نتمكّن من أن نسمع عن طريق آذاننا الدنيويّة ونفهم."
ويجدر بنا السؤال هنا أي دليل أبلغ يمكن لعلماء الدّين في إيران وتركيا أن يطلبوه برهاناً على اعتراف أتباع (حضرة) بهاء الله للمنزلة الساميّة التي يحتلها النبي محمد(ص) بين مجموعة الرُّسُل الذين بعثهم الله؟  وأي خدمة أكبر من هذه ينتظر هؤلاء العلماء أن نقدمها لأمر الإسلام؟  وأي برهان أعظم يطلبه هؤلاء على الكفاءة التي نتحلّى بها إذ أننا قادرون وفي أماكن أبعد بكثير من أن يصله هؤلاء، قادرون أن نُشعل شرارة الإيمان الصّادق العميق في الحقيقة التي جاء بها رسول الله وأن نستحصل من قلم ملكي هذا الاعتراف العام التاريخي بحقيقة رسالته الإلهية."(31)
هذا ولم يأل الكتّاب البهائيون جهداً في التأكيد على تلك المنزلة السامية التي أعطيت للقرآن الكريم والنبي محمد (ص) في الآثار المباركة لكل من حضرة الباب وحضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي.  فعبّر هؤلاء عن إيمانهم العميق لمبادىء الدّين الحنيف وهو الذي لقّنهم إياه حضرة بهاء الله مراراً وتكراراً وفيما يلي مقتطفات من بعض ما كُتِبَ بهذا الصدد:
".... فسرّحوا أنظاركم، نوّر الله تعالى بصائركم وأبصاركم، إلى الأمة العربيّة وتصاريف حالاتها قبل ظهور الديانة الإسلامية وبعد ظهورها لعلكم تنتبهون إلى بعض ما أشرنا اليه من الفرق الواضح بين العلوم الإلهية والمعارف الفلسفيّة في إحياء النّفوس البشرية وإزالة الأسقام الروحانيّة.  فإن فلاسفة مصر واليونان جيران العرب على غزارة علمهم وسعة معارفهم وتوفّر الأسباب لديهم ومساعدة الدول لهم عجزوا عن نشر المدنيّة بين الأمة العربيّة مع أن جميعهم كانوا أبناء ديانة واحدة صابئيّة وعلى طريقة متحدة وثنية وهي أسهل من إزالة الأسقام الروحانية ومعالجة الأمراض الدّينية.  ولكن قيام ذلك الإنسان الأميّ وحده فكّ أغلال الجهل من أعناقهم وحلّ عقائد التقييد والتقليد من أرجلهم وأيقظهم من إغماء السُبات ونفخ فيهم روحاً جديداً من الحياة فنهضوا وطاروا واستناروا فأناروا حتى نشروا أنوار العلم والمدنيّة وبسطوا فضائل الحضارة والإنسانية لا في الممالك العربيّة وحدها بل في جميع الممالك الواسعة الشرقيّة وأزالوا تلك العقائد والعوائد المهلكة المدمرة من الأمم المجوسيّة والوثنيّة.
فإذا عرفتم أيها السادة الأجّلاء هذه النّكتة الظاهرة والحقيقة الباهرة يمكنكم أن تعرفوا أن الله تعالى إنما خصّ تشريع دينه وإنفاذ كلمته بالأميين لا بالفلاسفة والمتخرّجين من المدارس ليكون أدعى إلى قطع الشُبهة وأبعد عن موضوع التُهمة وأدلّ على أن تلك القوّة القدسيّة ليست مرتبطة بالعلوم التحصيليّة ولا حاصلة من المعارف الكسبيّة، وإنما غفل عن هذه النكتة وجعل هذه الحقيقة ذلك الفاضل الشهير مترجم القرآن ومدوّن تاريخ حالات شارع الديانة الإسلامية (جرجيس صال)(32)  حيث قال في الصفحة (83) من كتاب مقالة في الإسلام:  "إن أهل الإسلام يفتخرون بأميّة صاحبهم بدلاً من أن يخجلوا منها واتخذوها برهاناً مبيناً يُثبت أنه رسول الله ولا يستنكفون من أن يدعوه النبيّ الأميّ كما دعاه (القرآن)، فظنّ هذا الفاضل أن كون النبي عليه السلام أمياً هو ممّا يجب أن تستنكف منه وتخجل الأمّة الإسلاميّة وقد جاء في الأصحاح السابع من إنجيل يوحنا القدّيس أن السّيد المسيح له المجد أيضاً كان أميّاً حيث قال:  "فتعجّب اليهود قائلين كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلّم فأجابهم يسوع وقال:  تعليمي ليس لي بل للّذي أرسلني "وهذه العبارة صريحة بأن معارفه عليه السلام كانت روحانيّة وإلهامية لا من التّعليم والتّحصيل.
ولم أدرِ لماذا لا يخجل هذا الفاضل بنفسه وبذاته وهو يرى أنّ المسيح له المجد وضع مقاليد السّموات في يد أُمّي، صيّاد للسّمك وألقى روح الرّسالة والهداية في قلب عاميّ، عشار لليهود.  أليس ذلك لإظهار قدرة الله تعالى ليبرهن للناس أجمعين بأنه تعالت قدرته وجلّت عظمته يقهر بعصا راعٍ صفوف الجبابرة ويفلّ بها سيوف الفراعنة، ويجعل صيّاد السّمك صيّاد البشر ويقلب أعراش القياصرة، ويعلم أُميّ من ملكوته الأعلى فلاسفة الفرس وأبناء الأكاسرة ليكون هؤلاء الأميّون آيات قدرته وبراهين عظمته وحجج ظهوره ودلائل مشيّته وإرادته ويكون تجرّدهم عن المعارف والفنون الاكتسابيّة أظهر الدلائل على القوّة الآلهية وأَبيَن البراهين على القدرة الوهبيّة السماويّة، وأقطع لأوهام المتوهمين، وأَشّد دحضاً لشكوك المُشكّكين، وفي ذلك كفاية للمُتبصرين."(33)  
"... نعم كثيراً ما يتّهم الإسلام بأنه قام وانتشر بسيوف أمراء العرب كما أن الفرس واليهود والبوذيّين والهنود يرمون ديانة النصارى بأنها قامت بمساعدة القياصرة وتقوّت وانتشرت بسيوف الجبابرة إلاّ أن هذه شبهة واهية وقضيّة باطلة لأن كلمة الإسلام انتشرت بين العرب قبل الهجرة كما أن الديانة النصرانية نفذت وانتشرت قبل إيمان قسطنطين الكبير وتنصُّر القياصرة على أن تلك العساكر والصفوف والمدافع والسيوف وُجدت وتشكّلت وقامت وترتبت أيضاً بقوة تأثير كلمة الله وشدّة نفوذ إرادة الله إذ لولا الكتب الالهيّة لقامت تلك الجيوش الجرارة لِنُصرة الشرك وسلّت السيوف البتارة لإثبات الوثنية لا لِنُصرة التّوحيد وإثبات الوحدانيّة كما هو ظاهر لمن أوتي بصيرة نورانيّة ودراية وجدانيّة.  ولكن الله تعالى لِسِعة رحمته وإحاطة فضله وظهور سلطانه وسطوع برهانه أراد أن يُبطل هذه الشُبهة بتاتاً عن الظهور الأبهى والطلوع الأفخم الأعلى، فنهى نهياً لا يعقبه الزوال ولا يعتريه التغيير والإبدال عن النزاع والجدال والحرب والنزال، بل عن كل ما يكدّر النفوس ويورِث الضغائن في القلوب من قبيل السّبّ واللعن والفخار والشموخ لتتجلّى قوّة الكلمة الالهية وتنقطع رسائل الشُبهات والشكوك من كلّ الأقسام والوجوه في جميع القرون والأجيال."(34)
وبالّرغم من كلّ هذا يجد البعض الجرأة على اتهام الدّين البهائيّ بأنه جاء ليدحض الإسلام ويكذّبه بينما نجد من كل هذه الأمثلة التي ذكرناها أن العكس هو الصحيح.  فإن أتباع الدّين البهائي هم أحرص الناس على الذود عن سمعة الإسلام ورفع شأنه بين العالمين، وقد حقّقوا في هذا السبيل ما لم يتمكّن المسلمون أنفسهم من تحقيقه.  والكتب البهائية موجودة وفي متناول اليد وتؤكد ما بذلنا الجهد لإيضاحه، فليذهب إليها أهل الإنصاف ويطّلعوا على ما فيها ويمتحنوا معانيها، وليتصل راغبو الحقيقة بأهل البهاء في مشارق الأرض ومغاربها ويسالوهم السؤال الصريح ليتأكد لديهم كل ما ذكرناه.


___________________________________________________




No comments:

Post a Comment